سوف تظل حرب فلسطين أحد أهم الفصول في كتاب تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي ـ مهما مضت سنوات الزمان.
هذه الحرب التي كانت لها مقدماتها وأحداثها وتداعياتها. أما المقدمات فقد كانت انعكاسا لحال مصر السياسية أيامها. وحال الأمة العربية أيضا. وأما تداعياتها فأغلب الظن أنها باقية حتي اليوم. وتبقي أحداث حرب فلسطين 1948 برغم السنوات التي انقضت عليها. مثل كرة بللورية مليئة بالانعكاسات والأشكال المختلفة. تختلف رؤيتها باختلاف الراوي والسامع.
وهذه شهادة.. كاتب صحافي نادر. حمل قلمه الي ارض المعركة. وارتدي الملابس العسكرية لأول مرة في حياته. وسجل بأمانة لبني قومه تفاصيل هذه الحرب وما سبقها وما حدث فيها.
أسئلة محمد حسنين هيكل للحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا:
هيكل: هل تري قيام تحقيق سياسي وعسكري في نتيجة حرب فلسطين؟.. ومن الذي يجب أن يقوم بمثل هذا التحقيق؟ وما هي النقاط التي يجب أن يشتمل عليها؟
الحاج أمين الحسيني: إن قيام تحقيق سياسي وعسكري في نتيجة معركة فلسطين أمر ضروري جدا.
ولقد سبق لي أن طلبت من جامعة الدول العربية في مذكرة مؤرخة في 5 نيسان (أبريل) 1950 إجراء مثل هذا التحقيق وتحديد المسؤولية، وما زال الفلسطينيون يطالبون بإجراء هذا التحقيق.
والواقع أنه ما من أمة حية ذات كرامة إلا وتجري تحقيقا في كل نكبة تصيبها أو حيف يلحق بها، وانه من واجب الأمة. أما نقاط البحث والتحقيق فهي كثيرة..
وهذا بعض ما يرد علي الخاطر منها:
- البحث عن الأسباب التي حملت علي تبديل الخطة التي وضعها الخبراء العسكريون للدفاع عن فلسطين ووافق عليها مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في عاليه في تشرين الاول (أكتوبر) 1947.
-
لماذا أقصي الفلسطينيون ومجاهدوهم الذين أثبتوا جدارتهم واستبسالهم في الذود علي بلادهم وصمودهم أمام اليهود والإنكليز طيلة ثلاثين عاما؟
وما هي أسباب منعهم من القيام بحرب العصابات التي برعوا فيها، والتي تجلت فوائدها العظيمة؟
ولماذا منعت الأسلحة عن قادة المجاهدين، أمثال المرحوم عبد القادر الحسيني في معركة القسطل وغيرها، وحسن سلامة في منطقة يافا والرملة واللد، وإبراهيم أبو دية في منطقة القدس وغيرهم؟
وكيف يعقل أن يقوم دفاع عن بلاد.. لا يشترك أهلها فيه؟
ولماذا جردوا المجاهدين الفلسطينيين من أسلحتهم وصادروا مخازن ذخائرهم في بعض الأقطار العربية، وفي داخل فلسطين؟
ولمصلحة من كانت هذه الإجراءات الغريبة؟ - ولماذا سلمت قيادة الجيوش العربية الي يد الجنرال غلوب الإنكليزي وجعلته يقلب الخطة الحربية التي وضعها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في الزرقاء شرق الأردن في أوائل شهر ايار (مايو) سنة 1948 رأسا علي عقب؟
وكلف غلوب الجيش العراقي أن يهاجم بمدافعه خط أيدن المنيع أمام مستعمرة جيشر ليعود بالخيبة!
وينقل الجيش السوري من منطقة جبيل في اتجاهه نحو صفد في وضح النهار وأمام بصر اليهود الي سمخ ويعرضه للهزيمة هناك؟ -
لماذا منع الجيش العراقي الذي كان في أشد حالات الحماسة والاستعداد من التقدم نحو أهدافه، ولم يسمح له بالقيام بأية معركة؟
ولما هاجمت القوات مدينة جنين في حزيران (يونيو) 1948 وكان فيها فوج عراقي واحد اشترك مع مجاهدي المنطقة في صد اليهود وهزمهم شر هزيمة وتبع فلولهم الي اللجون وأوقع الرعب يومئذ في يهود حيفا التي ظلت بلا دفاع بعد هذه المعركة، فأرسل رئيس بلديتها اليهودي شبتاي ليفر كلا من نائبي رئيس البلدية الحاج طاهر فرمان وشحادة شلح بكتاب لتسليم حيفا الي الجيش العراقي.
ولكن القيادة العامة أمرت بعودة الفوج العراقي وقائده الباسل.. الذي سحبته من المنطقة.. ووجهت له أشد اللوم وعاقبته علي خوض المعركة؟! - لماذا أخليت الرملة واللد وسحب منهما الجيش الأردني بأمر غلوب بدون مبرر؟ لقد كان ذلك سببا في تشريد نحو مئة وخمسين ألفا من العرب!
- ما الأسباب التي حالت دون نجدة بعض الجيوش العربية للجيش المصري في معارك النقب وغيرها في شهري تشرين الاول (نوفمبر) وكانون الاول (ديسمبر) سنة 1948؟
- ما هي الأسباب التي حالت دون تنفيذ الخطة التي اتفق عليها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في اجتماعاتهم في القاهرة لإنقاذ حامية الفالوجا وفك الحصار عنها؟
وكيف منع الجنرال غلوب القوات المقرر إرسالها من كل الجيش السوري والجيش العراقي لهذه المهمة من المرور بأراضي شرق الأردن؟ - لماذا أمر الجنرال غلوب في 17 و18 ايار (مايو) 1948 بإخراج المجاهدين الفلسطينيين من مضيق باب الواد وبإعادة فتحه لتمر منه قوافل السيارات اليهودية حاملة السلاح والمؤن والمدد، من تل أبيب الي القسم اليهودي من مدينة القدس الذي كان يحاصره المجاهدون الفلسطينيون وكادوا يحملون سكانه البالغ عددهم أكثر من مئة ألف يهودي علي الاستسلام؟
- لماذا منع الجنرال غلوب الجيش الأردني وقوات الجهاد المقدس وغيرها من تحرير القدس كلها؟ وقد كان ذلك في الاستطاعة حينئذ! ولماذا منع احتلال عمارات هداسا والجامعة العبرية وتركها مراكز تهديد وخطر دائم علي القدس العربية؟
- ما هي الأسباب التي أدت الي عقد الهدنة الأولي والثانية، في الوقت الذي كانت الجيوش العربية فيه تسيطر كل السيطرة ومتفوقة في عددها وأسلحتها وطائراتها ومدافعها؟
- لماذا سلمت لليهود مناطق عربية واسعة في كل من المثلث العربي وأراضي القدس وبيت لحم والخليل والبحر الميت بما تحتوي عليه من سكك حديدية وطرق مهمة بعد اتفاقية رودس وبدون حرب أو مبرر؟
كلمة من مُحرر فلسطين في الذاكرة
تساؤلات الحج أمين الحسيني (مفتي القدس الشريف) موضوعية ومهمة للغاية، ويحب إستعابها خاصةً في هذا الوقت العصيب الذي يتعرض فيه شعبنا لأشرس الحملات لإجباره على التخلي عن ثوابته الوطنية. ومع ذلك يجب أن نشير بأن المفتي لم يقدم نقد ذاتي لماذا فشلة حركته وكيف بالإمكان تفادي هذه الأخطاء في المستقبل. برأينا أسباب إنهيار المجتمع الفلسطين على كل اُطره غضون النكبة لا تزال قائمة لغاية الآن، وهذا لمقال آخر سيكون مٌلحق لهذا المقال في المستقبل القريب.
شارك بتعليقك