النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود للأستاذ عارف العارف - المجلد الأول - صفحة 5

<<إن يَمسَسْكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله . وتلك الأيامُ نداولها بين الناس (1)>> .
هذا ولست أنكر أنني ، كأي مخلوق آخر من البشر ، معرض للخطأ والنسيان . ولست بمنزهٍ عن الغرض والهوى ، وكثيرًا ما جر الهوى والغرض الرواة والمؤرخين ، في هذا العصر وفي العصور الفائتة ، إلى الضلال. ولعلني أنا أيضًا أخطأت في بعض رواياتي ، أو فيها كلها ، ولكن عذري في ذلك أنني ما فعلت ذلك عن قصد ، والله من وراء القصد . ولقد نويت ، والأعمال بالنيات ، أن لا أصدر عن هوى في روايتي ، وأن أبتعد عن مظان الزور في تسجيلي.
وإذا غَفَلْتُ عن حادثٍ من الحوادث أو شخص من الأشخاص ، فما كان ذلك مني عن إهمالٍ مقصود أو نيةٍ سَوْءَاء ، وإنما لأني لم أسمعْ بذلك الشخص أو الحادث . أو أنني سمعت بهما ، ولكني لم أجد من يحدثني عنهما حديث صدق .
وَلَرُبَّ قائلٍ يقول : مالك قد حدثتنا بشيءٍ كثيرٍ من الإسهاب ، عن حوادث القدس وما جاورها من البقاع ، بينما جاءت أحاديثك عن المدن والبقاع الأخرى مقتضبة لا تُروي غُلّةَ الظمآن . فجوابي أنني كنت ، طوالَ فَتْرَةِ القتال ، في القدس وأنا ابنها .. وحضرت أكثر المعارك التي جرت فيها وفيما حولها . وما لم أحضره بنفسي رواه لي الرواة الثقات الأقربون . وكان باستطاعتي أن أمَحِّصَ الخبر فأميِّز بين غَثِّه وسمينه ، لقربي من الميدان وصلتي الوثقى بالقائمين على الأمر . ولم يكن من اليسير الحصول على مثل هذه الأخبار الصادقة عن الميادين الأخرى . فكلما بَعدت الشُقّةُ قَلّت التفاصيل وكثُرتْ الأضاليل . وما كان التنقُّل من مكانٍ إلى مكان ميسورًا في ذلك الحين .
***
في هذا السجل صفحاتٌ بيض .. وأخرى سود .. فيه مفاخر .. ومخاز .. وكما ذكرت المخازي ، بالامتعاض والألم ؛ فقد ذكرتُ المفاخر بالاعتزاز والشّمم . وكنت صادقًا في الحالين . وكما أن صفحات الخزي كثيرة ، فإن صفحات الفخر أيضًا ، ولله الحمد والمنة كثيرة وفي تدوينها وفاءٌ لدينٍ لا بد من تأديته ، وجميلٌ لا بد من تسجيله . وقد سجلته فور وقوعه . وسجلتُ بالإضافة إلى ذلك ، أسماء الشهداء الأبرار الذين لاقوْا حتفهم في سبيل الدفاع عن وطنهم في سجل أسميته : سجل الخلود .
ولقد رتبتُ الوقائع التي وقعت حسب زمن وقوعها . وأشرتُ إلى الأسباب التي
-------
(1) سورة آل عمران : الآية 140