النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود للأستاذ عارف العارف - المجلد الأول - صفحة 6

أدَّت إلى وقوعها ، عندما كان في مقدوري أن أفعلَ ذلك ، وأن أوضح بشيء من الجزم تلك الأسباب . وأظهرت الصلات المنطقية التي تربِطُ كلَّ واقعةٍ بما وقع قبلها وبعدها . وفي غير ذلك من الحالات فقد أحجمت عن إبداء رأيي ، مكتفيًا بسرد الوقائع كما وقعت . وفرَّقت بني المتن والهامش ، فذكرت في المتن الخبر ، وأشرتُ في الهامش إلى المصدر الذي استقيته منه . فإذا كان زيدًا من الناس ذكرت اسمه ، وإذا كان كتابًا من الكتب الموضوعة أو وثيقةً من الوثائق ذكرت اسم ذلك الكتاب والطريقة التي حصلتُ بها على تلك الوثيقة . وما كنت لأكتفي بنقل ما انفرد لروايته راوٍ واحد من الرواة ، حتى لو كان هذا ثقةً وعدلا . بل كنت أكرر البحث هنا وهناك إلى أن يصبحَ الحديثُ عن الواقعة التي أردت تدوينها متواترًا ، لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه ، واضعًا نُصْبَ عيني أبدًا القاعدة التي ذكرها غيرُ واحد من المؤرخين (1) : <<إنه لا يجوز للمؤرخ أن يكون نَقوعًا (2) يثق بكل أحد أو يقنًا يصدق كلَّ ما يقرأ>> .
وقصارى القول : حرَصت كل الحرص على أن أتثبت في الأمر قبل تدوينه ، وأن أبذل كل ما في مقدوري ليكون كتابي هذا سجلا شاملا لكل ما وقع في هذه الديار ، وفي هذه الحقبة من الزمن ، من خير وشر .
فطرقت ما استطعت من أبواب ، واستنطقت ما أمكن من حادثات ، وسألت من لقيت من مقاتلين وسياسيين وزعماء وقواد ؛ مستطلعا ، في جميع الحالات ، طلع الخبر .
وما هذا الكتابُ الذي أضعه بين يديك ، أيها القارئ الكريم ، إلا نتاج ذلك البحث والتدوين . فإذا كنتُ قد أصبتُ المرمى ، وحفظت لأبناء الأجيال القادمة سجلا يتلون فيه حوادث هذه الحقبة من الزمن .. بمفاخرها ومخازيها .. كان ذلك ما أبغي . وإلا فما هي إلا خُطوَة خطوتها على قدر ، وأمنية تركت بقية تحقيقها لمن تولاها بعدي وقدر ..
15 - 1 - 1956
عارف العارف
-------
(1) عالج الدكتور أسد رستم ، أحد أساتذة التاريخ في جامعة بيروت الأميركية ، هذا الموضوع أحسن معالجة في كتابه <<مصطلح التاريخ>>. نشر المكتبة العصرية في صيدا وبيروت الطبعة الثانية عام 1955
(2) جاء في (البستان) إن الرجل النقوع هو الذي يؤمن بكل شيء ، والرجل اليقن هو الذي لا يسمع شيئا إلا أيقن به .